نشاطات وفعاليات
مراجعة قانونية بعنوان عقوبة الإعدام في النظام القانوني الفلسطيني
2 أكتوبر 2016

صدر مؤخراً عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان مراجعة قانونية لـ"عقوبة الإعدام في النظام القانوني الفلسطيني"، وقد عالجت المراجعة القانونية موضوعها في فصلين، تحدث الفصل الأول عن الأحكام القانونية الموضوعية لعقوبة الإعدام في النظام القانوني الدولي والوطني، بينما تحدث الفصل الثاني الأحكام القانونية الإجرائية لعقوبة الإعدام في النظام القانوني الدولي والوطني.

وقد هدفت الهيئة من هذه المراجعة القانونية التي أعدها الباحث القانوني المحامي معن ادعيس، إلى وضع الخطوات العملية التي يتوجب على السلطة الوطنية القيام بها لإلغاء عقوبة الإعدام من نظامها القانوني، إنفاذا للمادة العاشرة من القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية للعام 2002 التي نصت على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وأن السلطة الوطنية ستعمل، دون إبطاء، على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان، ولا سيما تلك المواثيق والقرارات الدولية التي قررت الحق في الحياة، وحرّمت بعضها عقوبة الإعدام، أو تلك التي قيّدت من إجراءات فرض هذه العقوبات.

ذلك أن الانتقال من نظام قانوني يفرض عقوبة الإعدام وإزهاق الروح على عشرات الجرائم إلى نظام قانوني آخر يحترم حق الأفراد في الحياة، ولا يفرض عقوبة الإعدام أو يصادر حق الإنسان في الحياة، لا يكون في لحظة واحدة، وإنما يحتاج إلى أن فترة زمنية، ليست بالقصيرة، يتم فيها التدرج في اتخاذ الإجراءات المؤدية لإلغاء عقوبة الإعدام بشأن كافة الجرائم، أو على الأقل تضييقها إلى اكبر حد ممكن، بحيث لا يتم فرض هذه العقوبة إلا على بضع جرائم، بدلا من فرضها على عشرات الجرائم. كما أن الوصول إلى إلغاء عقوبة الإعدام من النظام القانوني الفلسطيني بشكل تام، وبشأن كافة الجرائم، يحتاج إلى خطوات سابقة كثيرة في المجالات التوعوية والتثقيفية والاجتماعية والدينية التي يمكن أن تقف أمام هذه الخطوة.

وقد سجلت المراجعة القانونية عدد من الاستنتاجات، من أهمها: رغم أن الأمم المتحدة لم تحظر الأخذ بعقوبة الإعدام إلا أنها قامت ببعض الجهود باتجاه إقناع الدول التي لم تحظر عقوبة الإعدام بالعمل على حظرها وعدم الأخذ بها في تشريعاتها. يزال النظام القانوني العقابي الفلسطيني يعرف عقوبة الإعدام، ويفرضها على عشرات الجرائم، وليس فقط على الجرائم الأكثر خطورة، ولم تتخذ السلطة الوطنية الفلسطينية أي إجراء تشريعي في هذا الصدد منذ قيامها. انسجم النظام العقابي الفلسطيني مع المعايير الدولية في مسألتين مهمتين: المسألة الأولى، نصت قوانين الأحداث الجانحين على تنزيل عقوبة الإعدام إلى عقوبة الأشغال الشاقة عندما يدان طفل بارتكاب أفعال تستحق عقوبة الإعدام. والمسألة الثانية، وهي وجوب تنزيل العقوبة من الإعدام إلى الأشغال الشاقة بحق المرأة الحامل، وفق ضوابط وفي ظروف معينة. هذا رغم وقوع القوانين النافذة في حالة من حالات التمييز بشأن المرأة الحامل، حيث لا تستفيد المرأة الحامل في قطاع غزة من حكم التخفيض الوارد في قانون العقوبات لعام 1936 إلا إذا ثبت الحمل قبل صدور حكم المحكمة، أما إذا ثبت الحمل بعد صدور حكم المحكمة، فلا تستفيد المرأة من ميزة التخفيض إلا إذا وضعت طفلا حيا بحسب قانون الإجراءات الجزائية لعام 2001. في حين تستفيد المرأة الحامل التي ترتكب ذات الفعل في ذات الظروف في الضفة الغربية من تنزيل العقوبة من الإعدام إلى الإشغال الشاقة أيا كان الوقت الذي يثبت فيه الحمل سواء قبل الحكم أم بعده. نص القانون الأساسي على حق كل إنسان في أن يحاكم محاكمة عادلة، يراعى فيها كافة ضمانات المحاكمة العادلة التي ذكرتها المواثيق الدولية، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته من محكمة مختصة وفق إجراءات عادلة، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، وحق المتهم في توكيل محامي، ومنح المحكوم عليه بالإعدام الحق في الاستفادة من العفو العام والعفو الخاص، عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد المصادقة عليه من قبل رئيس السلطة الوطنية، واشترط القانون صدور قرار المحكمة الذي يقضي بالإعدام بإجماع أعضاء الهيئة الحاكمة وليس بأغلبيتهم، ووجوب استئناف ونقض الحكم الصادر بالإعدام إلى محكمة الاستئناف ومحكمة النقض، وحق القاضي في الاستناد إلى أية أسباب أو ظروف قد تساعد في تحويل عقوبة الإعدام إلى عقوبة الأشغال الشاقة.

غير أن المشكلة الإجرائية العملية الأساسية التي ظلت قائمة في عدم توفر ضمانات المحاكمة العادلة في محاكمات المحاكم العسكرية ومحاكم امن الدولة ذات الطابع العسكري التي صدرت عنها أحكام الإعدام، و عدم تفعيل الحكم القانوني المتعلق بالعفو الخاص والذي يسمح لرئيس السلطة الوطنية بإنزال عقوبة الإعدام إلى عقوبة الإشغال الشاقة، ما نجم عنه تنفيذ 14 حكما بالإعدام، وإزهاق روح 14 شخصا.

وأوصت المراجعة القانونية بضرورة قيام السلطة الوطنية الفلسطينية باتخاذ كافة الخطوات التشريعية اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام من كامل النظام القانوني الفلسطينيين، وذلك عملا بما اعتمدته أكثر من مئة دولة من دو ل العالم، وعملا بما تسعى إليه هيئة الأمم المتحدة، وكرّسته في العديد من القرارات والأعمال التي تصدر عنها في هذا الصدد. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن نجاحنا في إلغاء عقوبة الإعدام من كامل النظام القانوني الفلسطيني، يستدعي اتخاذ جملة من الإجراءات والمرور بسلسلة من مراحل العمل:

الإجراء الأول- تعليق العمل بعقوبة الإعدام إلى حين إلغاءها.

ضرورة أن تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية، وكإجراء أولي، على طريق إلغاء عقوبة الإعدام من كامل النظام القانوني الفلسطيني، باتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لتعليق العمل بعقوبة الإعدام.

الإجراء الثاني- العمل على إلغاء عقوبة الإعدام من خلال إتباع سلسلة من المراحل على النحو التالي:

المرحلة الأولى: إجراءات فورية بداية، وكإجراءات فورية يتوجب على السلطة الوطنية فعلها في طريق الوصول إلى الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، يتوجب القيام بجملة من الإجراءات على كافة المستويات: منها على المستوى القضائي:

يتوجب على السلطة الوطنية أن تستمر في إجراءاتها في إصلاح السلطة القضائية وأجهزة العدالة، وذلك باتجاه توفر كافة ضمانات المحاكمة العادلة في كافة المحاكمات التي تجريها المحاكم الفلسطينية بصورة عامة، وفي المحاكمات التي تجري لأشخاص متهمين بارتكاب جرائم خطيرة معاقب عليها بعقوبة الإعدام، بصورة خاصة. على مستوى رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية: يتوجب على رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية أ) عدم المصادقة على أية أحكام بالإعدام، ولا سيما في الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري الذي لا يوفّر ضمانات كافية للمتهمين الذين يحاكموا أمامه. ب) إصدار قرارات عفو خاص عن المحكومين بالإعدام تخفض عقوبة الإعدام إلى "الحبس المؤبدة"، وليس فقط الامتناع عن التصديق على هذه الأحكام، لان قرار الامتناع هذا لا يلغي عقوبة الإعدام، وإنما يؤجل تنفيذها فقط، وقد يأتي رئيس سلطة وطنية آخر لا يؤيد إلغاء عقوبة الإعدام، ويصادق على هذه الأحكام، ويتم تنفيذها. وبهذه الصورة، يصبح عدم المصادقة على تنفيذ الحكم من قبل الرئيس غير ذات جدوى. على المستوى الثقافي والاجتماعي: يتوجب على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والدينية الرسمية وغير الرسمية العمل على مناقشة عقوبة الإعدام في كافة المحافل الخاصة بها، ووضع المبررات المؤيدة لوقف العمل بعقوبة الإعدام من القضاء، والمبررات التي تدعم إلغاءها من النظام القانوني الفلسطيني. على المستوى الإعلامي: يتوجب على كافة جهات الإعلام الرسمي وغير الرسمي وعلى كافة المؤسسات الحقوقية ذات العلاقة العمل بجهد دؤوب على عمل حملات إعلامية واسعة ومؤثرة، وذلك بهدف تكوين رأي عام داعم ومؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام من النظام القانوني الفلسطيني. ضرورة امتثال المحاكم العسكرية لقوانين العقوبات النافذة في الضفة الغربية (قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960) وفي قطاع غزة (قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936) ولقانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001.

المرحلة الثانية: مرحلة تقليص وتعقيد الحكم بعقوبة الإعدام وتنفيذها. ضرورة العمل على توحيد قوانين العقوبات النافذة بين شقي الوطن، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهدف وقف حالة التمييز وعدم المساواة في العقوبات التي يمكن فرضها على مجرمين يرتكبون نفس الفعل، لكن يتواجدون في أقاليم مختلفة. ضرورة العمل على تعديل أحكام العقوبات النافذة وتقليص عدد الأفعال المعاقب عليها بعقوبة الإعدام، وحصر الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في الجرائم الخطيرة جدا، عملا بما نص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي نص على عدم جواز فرض عقوبة الإعدام إلا على أشد الجرائم خطورة. وضع نصوص صريحة في النظام القانوني الفلسطيني للعقوبات يقضي بالنزول بعقوبة الإعدام إلى عقوبة الأشغال الشاقة بالنسبة للمرأة الحامل، سواء تم اكتشاف الحمل قبل الحكم عليها أو بعد الحكم، وقبل التنفيذ. وضع نص قانوني عام يسمح للمحكمة بتفريد العقوبة في الجرائم المعاقب عليها بعقوبة الإعدام والنزول بها إلى عقوبة الحبس، إذا توفر سبب لذلك أو إذا كان الباعث/ الدافع شريفا (كما جاء في المادة 62 من "قانون" العقوبات الثوري لعام 1979)، حتى وان لم يتوفر في الواقعة عذر أو سبب يستدعي تخفيف العقوبة.

المرحلة الثالثة: مرحلة إلغاء عقوبة الإعدام من النظام القانوني الفلسطيني.

بعد أن نكون قد مررنا بالمراحل الأولى، واستطعنا أن نفعل الإجراءات الموصى بها فيها، ووضعنا الإجراءات التي من شانها أن تحد من أية نتائج سلبية قد تنجم عن الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، يمكن بهذه الحالة إلغاء عقوبة الإعدام من النظام القانوني الفلسطيني بصورة شاملة وبشأن كافة الجرائم دون استثناء.

واشتمل التقرير في نهايته على أربعة مرفقات عن البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف العمل علي إلغاء عقوبة الإعدام، وعن الحق في الحياة أو عدم جواز الحكم بالإعدام في عدد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعن الجرائم المعاقب عليها بعقوبة الإعدام في التشريعات المطبقة في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية (قانون العقوبات الأردني لعام 1960، وقانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936، وقانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979)، وأخيرا مرفق رابع عن أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الفلسطينية في الأعوام ما بين 1995- 2009.