بيانات ومواقف
قرار الحكومة الإسرائيلية خصم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء من المقاصة يعد عقوبة جماعية وتمس بحقوق فئات واسعة في المجتمع الفلسطيني

20/2/2019

3/2019

قرار الحكومة الإسرائيلية خصم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء من المقاصة يعد

عقوبة جماعية وتمس بحقوق فئات واسعة في المجتمع الفلسطيني

تستنكر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" مباشرة الحكومة الإسرائيلية تنفيذ القانون الخاص بخصم مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين من عائدات الضرائب الفلسطينية، والذي أقره الكنيست الإسرائيلي في أواسط العام 2018.

ويتيح هذا القانون لحكومة الاحتلال مصادرة مبالغ من أموال الضرائب التي تجبيها وتحولها دولة الاحتلال لخزينة السلطة الفلسطينية، وتعادل هذه الأموال تلك التي تقدمها السلطة الفلسطينية كمخصصات لعائلات الأسرى والشهداء، الأمر الذي يعني احتجاز نحو (502) مليون شيكل قرابة (138) مليون دولار من تحويلات الضرائب، أي حوالي 7% من ميزانية الحكومة الفلسطينية، بزعم أن هذه الأموال تشجع على ما تسميه دولة الاحتلال "الإرهاب".

ويُعد هذا الإجراء غير قانوني كونه يخالف التزامات الحكومة الإسرائيلية للاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، ويمثل ضربة قاسية لموازنة الحكومة للعام 2019، ويحد من قدرتها على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، وتقديم الخدمات لهم والوفاء بالتزاماتها أمامهم. علاوة على أنه يمسّ بحقوق فئات عريضة من المجتمع الفلسطيني، واعتداء على حق الأسرى وعائلاتهم في حياة كريمة.

يعد الإيفاء بالالتزامات من قبل السلطة ودفع مخصصات عائلات الشهداء والأسرى إحدى أهم مسؤوليات وواجبات الدولة تجاه مواطنيها وحقوقهم وأحد ركائز منظومة الحماية الاجتماعية في دولة فلسطين. وتشكل الخطوة الإسرائيلية من جهة أخرى، ضربة للاقتصاد الفلسطيني وتهدد قدرة السلطة الفلسطينية على الإيفاء بواجباتها والتزاماتها تجاه مواطنيها ومنها الالتزام بدفع رواتب وأجور موظفيها شهرياً وفي مواعيدها، خاصة في ظل تصاعد السياسات التعسفية للاحتلال وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني، وتقييد حرياته والحصار المشدد المفروض على قطاع غزه للعام الثاني عشر على التوالي، والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وإحكام السيطرة على الموارد الطبيعية والتهجير القسري للسكان الفلسطينيين.

نظم القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (22) منه، رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى، ونصت على أن "رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى والمتضررين والمعاقين واجب ينظم القانون أحكامه، وتكفل السلطة الوطنية لهم خدمات التعليم والتأمين الصحي والاجتماعي". وتستند الحكومة في دفع المخصصات الشهرية للأسرى المحررين على القرار بقانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004، وتم تعديله من خلال قرار بقانون رقم (1) لسنة 2013، وحددت المادة (3) منه سبل تحقيق أهداف القانون ودور السلطة الوطنية الفلسطينية في ذلك.

عرف قانون الأسرى والمحررين للعام 2004 في المادة (1) الأسير المحرر بأنه " كل أسير تم تحريره من سجون الاحتلال". ووصفت المادة رقم (2) من ذات القانون، أن الأسرى المحررين " شريحة مناضلة وجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي الفلسطيني وتكفل أحكام القانون حياة كريمة لهم ولأسرهم". وتعد رعاية العائلات المتضررة من الاحتلال إحدى المكونات القانونية والنظامية والإدارية في النظام السياسي الفلسطيني، ونظم رعاية عائلات الأسرى بقانون رقم 19 لسنة 2014 وقرار بقانون رقم 1 لسنة 2013 بشأن تعديل قانون الأسرى والمحررين.

من جهة أخرى، يقع على عاتق دولة فلسطين مسؤولية توفير الضمان الاجتماعي لعائلات الأسرى والمحررين، ويقع هذا في إطار قاعدة قانونية دولية تقضي بالاهتمام بالعائلات المتضررة، بغض النظر عن العمل الذي قام به أحد افرادها حفاظا على الاستقرار الاجتماعي في المجتمع. ويستفيد من الخدمات المقدمة فئتي الأسرى داخل السجون وفئة الأسرى المحررين خارج السجون، لتمكينهم من العيش بمستوى معيشي لائق باعتبارهم ضحايا للاحتلال.

كما ضمنت المادة (98) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب للعام 1949 للمعتقلين حق تلقي المساعدات المالية من دولهم، بالنص على أنه "يجوز للمعتقلين أن يتلقوا إعانات من الدولة التي يكونون من رعاياها، أو من الدول الحامية، أو من أي هيئة تساعدهم، أو من عائلاتهم، وكذلك إيراد ممتلكاتهم طبقاً لتشريع الدولة الحاجزة".  وأنه "تفتح الدولة الحاجزة حساباً منتظماً لكل شخص معتقل تودع فيه المخصصات المبينة في هذه المادة، والأجور التي يتقاضاها، وكذلك المبالغ التي ترسل إليه. كما تودع في حسابه أيضاً المبالغ التي سحبت منه والتي يمكنه التصرف فيها طبقاً للتشريع الساري في الإقليم الذي يوجد فيه الشخص المعتقل. وتوفر له جميع التسهيلات التي تتفق مع التشريع الساري في الإقليم المعني لإرسال إعانات إلى عائلته وإلى الأشخاص الذين يعتمدون عليه اقتصادياً وله أن يسحب من هذا الحساب المبالغ اللازمة لمصاريفه الشخصية في الحدود التي تعينها الدولة الحاجزة".

ولا يوجد ما يتعارض مع نصوص القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بضرورة تقديم الإعانات أو الرواتب لأسر المعتقلين والأسرى المحررين والذين تعتمد عائلاتهم عليهم اقتصادياً بشكل كامل في تدبر أمور حياتهم وتوفير الحياة  الكريمة والمستوى المعيشي اللائق لهم، ووجوب منح المخصصات المالية لهم وحقهم في ذلك، خاصة اولئك الذين قضوا سنوات طويله في الأسر، والذين يفتقدون للتأهيل المناسب لتمكينهم من العمل والعيش بكرامة ورعاية عائلاتهم وتوفير المستوى المعيشي الملائم لهم، بالإضافة الى اولئك الذين ليست لديهم القدرة على العمل.

يمثل القرار الإسرائيلي ايضاً اختراقا لاتفاق باريس الاقتصادي الموقع في إطار اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العام 1994، بأن تقوم إسرائيل بجمع الضرائب على البضائع التي تمر عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتحولها شهرياً إلى السلطة الفلسطينية. وورد في الاتفاق نصاً صريحا بأنه "وليس من حق إسرائيل اقتطاع أي مبلغ من أموال المقاصة". كما ويعد خرقاً واضحاً للاتفاقيات المرحلية الموقعة ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ العام 1995.

تستمر دولة الاحتلال في تجاوز قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية واستهداف الأسرى الفلسطينيين ومضاعفة معاناتهم، ابتداءً من اللجوء إلى احتجازهم داخل دولة الاحتلال ذاتها مخالفة بذلك قواعد القانون الدولي، وانتهاء بانتهاك حقوقهم واقرار قانون خصم مخصصات الأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء من عائدات ضرائب السلطة الفلسطينية وانتهاء بالبدء في تنفيذ ذلك عملياً.

ووفقاً لإحصائيات مجموعة الرقابة الفلسطينية في وحدة دعم المفاوضات، بلغ عدد شهداء الشعب الفلسطيني خلال العام 2018 فقط (307) شهيداً و (8355) جريحاً. وأعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين أن عدد الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي مع نهاية العام 2018 بلغ نحو (6000) أسير، من بينهم (250) طفلاً، (54) امرأة وفتاة، (8) نوابا في المجلس التشريعي، (27) صحافياً، (450) معتقلاً إدارياً.

وقدرت جهات اقتصادية فلسطينية أن دولة فلسطين تنفق على عائلات الشهداء والأسرى والجرحى نحو 1.2 مليار شيكل سنويا، بمعدل 100 مليون شيكل شهرياً. يعادل نحو 15% مما يحول للسلطة شهرياً من عائدات الضرائب التي تبلغ نحو 800 مليون شيكل (نحو 221 مليون دولار).

تأتي خطوات دولة الاحتلال في إطار الضغط المستمر على المجتمع الفلسطيني بمكوناته كافة، ودفعه باتجاه قبول صفقات لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني التي كفلها القانون الدولي، وأيضا محاولة تغيير مفاهيم المجتمع الفلسطيني الوطنية حول النضال المشروع والانتقام من التفافه على قضية الأسرى وعائلاتهم، وفرض العقوبات الجماعية بحق الفلسطينيين.

تعد الإجراءات الإسرائيلية حلقة في سلسلة الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان الفلسطيني خاصة فئات أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين والجرحى، وعليه تطالب الهيئة:

  1. 1.     دولة فلسطين التوجه إلى الدول الراعية لاتفاقيات أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي واعداد ملف بخروقات دولة الاحتلال لتلك الاتفاقيات وممارسة ضغوطاتها على دولة فلسطين وإعادة النظر فيها.
  2. 2.     التوجه للأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على دولة الاحتلال لوقف العقوبات الجماعية بحق الشعب الفلسطيني ووقف تنفيذ القانون الخاص بخصم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.
  3. 3.     دعم موقف السلطة الوطنية الفلسطينية بالاستمرار في صرف رواتب الأسرى والمحررين وأسر الشهداء كحق قانوني وإنساني لهم ولعائلاتهم.
  4. 4.     دول الاتحاد الأوروبي بتفعيل المادة الثانية من اتفاقية الشراكة الأوربية-الإسرائيلية والتي تشترط احترام دولة الاحتلال لحقوق الإنسان لتحقيق التعاون الاقتصادي معها.
  5. 5.      مؤسسات حقوق الإنسان الدولية بمتابعة القضايا الخاصة بالأسرى الفلسطينيين والانتهاكات التي تتم بحقهم، والتدخل لدى حكوماتهم من أجل الضغط على دولة الاحتلال للكف عن ممارساتها التعسفية بحقهم، والكف عن ممارسة مختلف الضغوطات على دولة فلسطين.

 

انتهى